عائد الى الوطن
حان وقت العودة..العودة الى وطنه..العودة الى مدينته..الى حيه الذي ترعرع فيه ونشا..الى المكان العزيز على قلبه..حان موعد العودة الى منزله...
مرت 5 سنوات كأنها 5 قرون..منذ ان قرر الذهاب الى الخارج بحثا عن لقمة العيش وعن ظروف افضل..5 سنوات وهو يحصي يوما بعد اخر..يجمع كل فرنك يسقط في جيبه..لا يبذر المال في أي امر ليس بالضروري..كل نفقاته تتمحور حول الاكل والشرب واللباس..لم يكن يرتاد لا الملاهي ولا المقاهي..حتى لباسه لم يكن بذلك الباهض..5 سنوات وهو ينتظر يوم عودته للوطن بفارغ الصبر..5سنوات وهو ينتظر ذلك اليوم الذي سوف ياخذ فيه الطائرة لتطير به الى منبع احلامه...
لم يقل لامه انه قادم..فقد أرادها لها مفاجأة..واكثر ما كان يريد ان يفاجئها به هو ذلك المقدار الكبير من المال الذي اتى به..ليس لغرض بناء قصر او انشاء شركة..ليس لغرض جولة كبيرة في ارجاء بلده..وليس حتى لإرسالها الى الحج..ولكن فقط لاجل علاجها من مرض السرطان الذي قضى على إحدى عيناها..لا زال يتذكر كيف كانت تدمع عيناه عندما كانت امه تتالم بجانبه وهو معوز..لا يزال يتذكر كيف كانت امه تستجدي الجمعيات الخيرية من اجل التبرع عليها بشراء العلاج....لا يزال يتذكر ذلك الوقت حين انهى دراسته الجامعية ولو يعثر على عمل يضمن له شراء دواء امه..قبل ان يقرر الهجرة الى الخارج في اول فرصة تاتي اليه بعدما ادرك ان وطنه صغير جدا على احلامه..طيلة 5 سنوات وهو يجمع المال فقط لكي يتمكن من اجراء عملية جراحية معقدة لامه تستلزم ملايينا من الدراهم...طيلة 5 سنوات وهو يشتم في كل خطاب ترسله امه له انواعا من العذاب والمعاناة التي لا يجهر بها قلب الام..لكن قلب الابن يحس بها كسهام تخترق قلبه..طيلة 5 سنوات وهو يترقب يوم عودته الى امه ليمسح الدمعة من عيونها ويحقق جميع احلامها..
اخر خطاب وصله الشهر الماضي..وقرأ فيه انها تشتاق اليه كثيرا..واجابها هو بانه سيأتي قريبا دون ان يذكر وقت مجيئه بالضبط ..أرادها لها مفاجاة..فكم سيكون جميلا عندما تفتح امه الباب..فتجد الطارق ابنها الذي طال غيابه..وكم سيكون رائعا ان يرى دهشة امه ودموع فرحتها التي لن تتوقف...
طيلة الرحلة الى وطنه..وهو يفكر في هذا القدر وقسوته..فرغم ان العالم تتطور..وصار البريد العادي متجاوزا..الا ان قريته النائية حيث تقطن امه لا يوجد فيها لا كهرباء ولا ماء..فحتى ان اراد مهاتفتها..فعليه ان يختار وقتا ملائما..ويتصل بصاحب الدكان الموجود في البلدة التي تبعد عن قريته ببضعة كيلومترات..ويخبره ان يقول لامه ان ولدها يريد مهاتفتها في اليوم كذا وفي الوقت كذا لكي تأتي وتجده على السماعة...وهكذا بعد 3 ايام يتمكن من سماع صوتها..وحتى البريد الالكتروني مستحيل إرساله لان لا احد في القرية او في البلدة يعرف شيئا اسمه الانترنت...
طيلة الرحلة..ومشاعره تتدفق..قلبه ينبض..خاصة عندما قالت المضيفة اننا وصلنا الى مطار الدار البيضاء..أحس ان لحظة اللقاء قد اقتربت..خاصة بعدما وطأ تراب موطنه..فشعر ان هذه التربة تعرفه..وهذه الوجوه تحبه..وهذه السماء تحييه..سائق التاكسي كأنه صديق له..سائق الحافلة ببسمته كأنه رفيق له..كل من في الحافلة كأنهم أسرته..اه يا وطني كم احبك..اه يا وطني كم اشتقت اليك...
اخيرا حطت به الحافلة في قريته..قريته الصغيرة الجميلة..التي مر الكل من قربها دون ان يعيروها اهتماما..مر الكهرباء بالقرب منها دون ان يعطوه منها ولو سلكا صغيرا..مر قنوات الماء قربها دون ان يجودوا عليها ولو بقطرة..مر الطرق بقربها دون ان يمددوا فيها ولو مسلكا..كم انتم قساة يا من تملكون القرار بوطني..
لم يشأ ان يمر قرب البلدة بدكاكينها الصغيرة التي يعرف جيدا أصحابها..ولا ان يشاهده احد قبل امه..فقط هي من تملك الحق بان تقول له اول الكلمات في قريته..هي من تملك الحق في ان تقدم له اول قبلة..هي اول من لديها الحق في مشاهدة فلذة كبدها..خاصة وانه ابنها الوحيد بجانب أخت متزوجة في قرية أخرى واب توفي منذ نعومة اظفاره...
ها هو امام الباب..باب منزله..وها هو الالم قد انتهى..وها هي لحظات الفرحة تتسارع لتضمه..أحس بالدمع يجري في مقلتيه..رجلاه تعرفان المكان جيدا..وها هما تقودانه غصبا عنه الى الباب..توقف لحظات قبل ان يطرق الباب..عدل من وقفته..مسح عرقه..تنهد من أعماق القلب..استعد جيدا للحظة اللقاء..ثم طرق الباب..
لم يرد احد...
طرقه للمرة الثانية...
لم يرد احد...
طرقه للمرة الثالثة..
لم يرد احد..
احس ببعض الشك يراوده..لكنه فكر انها قد تكون ذهبت الى البلدة لقضاء حوائجها..او الى إحدى صديقاتها..فهم بالذهاب للسؤال عنها بمنزل جارتها..قبل ان يسمع صوتا من خلفه..
"اعتقد انك "سعيد" ..."
استدار خلفه فوجد احد النساء ممن يشاركن امه نفس الزقاق..
"نعم..اهلا بخديجة.."
بعد لحظات من الترحيب والسؤال عن الحال والاحوال..حان موعد السؤال الاكبر عن امه..
"اين ذهبت هذه الام؟؟لا تقولي لي انها تثرثر مرة اخرى عند الحاجة "رقية"فانا اعرفها جيدا لا تسام من الحديث قرب اكواب الشاي.."
لكن الجارة لم تبادله نفس الضحكة..وبقيت تحدق فيه بعينان يملكهما الحزن والالم...قبل ان تجيبه..
"رحمة الله على امك..لقد توفيت قبل اسبوع بسبب مرض السرطان"...
اختلطت كل المشاعر في عقله..احس كان حجرا هوى عليها من اقصى السماء..عيناه بقيت متحجرة في مكانها..اراد ان يتكلم فلم يقدر الا بتمتة.."ماذا...؟؟؟"
لكن الجارة لم تجبه هذه المرة الا ب"عظم الله اجرك..وانا لله وانا اليه لراجعون"
انتهت
حان وقت العودة..العودة الى وطنه..العودة الى مدينته..الى حيه الذي ترعرع فيه ونشا..الى المكان العزيز على قلبه..حان موعد العودة الى منزله...
مرت 5 سنوات كأنها 5 قرون..منذ ان قرر الذهاب الى الخارج بحثا عن لقمة العيش وعن ظروف افضل..5 سنوات وهو يحصي يوما بعد اخر..يجمع كل فرنك يسقط في جيبه..لا يبذر المال في أي امر ليس بالضروري..كل نفقاته تتمحور حول الاكل والشرب واللباس..لم يكن يرتاد لا الملاهي ولا المقاهي..حتى لباسه لم يكن بذلك الباهض..5 سنوات وهو ينتظر يوم عودته للوطن بفارغ الصبر..5سنوات وهو ينتظر ذلك اليوم الذي سوف ياخذ فيه الطائرة لتطير به الى منبع احلامه...
لم يقل لامه انه قادم..فقد أرادها لها مفاجأة..واكثر ما كان يريد ان يفاجئها به هو ذلك المقدار الكبير من المال الذي اتى به..ليس لغرض بناء قصر او انشاء شركة..ليس لغرض جولة كبيرة في ارجاء بلده..وليس حتى لإرسالها الى الحج..ولكن فقط لاجل علاجها من مرض السرطان الذي قضى على إحدى عيناها..لا زال يتذكر كيف كانت تدمع عيناه عندما كانت امه تتالم بجانبه وهو معوز..لا يزال يتذكر كيف كانت امه تستجدي الجمعيات الخيرية من اجل التبرع عليها بشراء العلاج....لا يزال يتذكر ذلك الوقت حين انهى دراسته الجامعية ولو يعثر على عمل يضمن له شراء دواء امه..قبل ان يقرر الهجرة الى الخارج في اول فرصة تاتي اليه بعدما ادرك ان وطنه صغير جدا على احلامه..طيلة 5 سنوات وهو يجمع المال فقط لكي يتمكن من اجراء عملية جراحية معقدة لامه تستلزم ملايينا من الدراهم...طيلة 5 سنوات وهو يشتم في كل خطاب ترسله امه له انواعا من العذاب والمعاناة التي لا يجهر بها قلب الام..لكن قلب الابن يحس بها كسهام تخترق قلبه..طيلة 5 سنوات وهو يترقب يوم عودته الى امه ليمسح الدمعة من عيونها ويحقق جميع احلامها..
اخر خطاب وصله الشهر الماضي..وقرأ فيه انها تشتاق اليه كثيرا..واجابها هو بانه سيأتي قريبا دون ان يذكر وقت مجيئه بالضبط ..أرادها لها مفاجاة..فكم سيكون جميلا عندما تفتح امه الباب..فتجد الطارق ابنها الذي طال غيابه..وكم سيكون رائعا ان يرى دهشة امه ودموع فرحتها التي لن تتوقف...
طيلة الرحلة الى وطنه..وهو يفكر في هذا القدر وقسوته..فرغم ان العالم تتطور..وصار البريد العادي متجاوزا..الا ان قريته النائية حيث تقطن امه لا يوجد فيها لا كهرباء ولا ماء..فحتى ان اراد مهاتفتها..فعليه ان يختار وقتا ملائما..ويتصل بصاحب الدكان الموجود في البلدة التي تبعد عن قريته ببضعة كيلومترات..ويخبره ان يقول لامه ان ولدها يريد مهاتفتها في اليوم كذا وفي الوقت كذا لكي تأتي وتجده على السماعة...وهكذا بعد 3 ايام يتمكن من سماع صوتها..وحتى البريد الالكتروني مستحيل إرساله لان لا احد في القرية او في البلدة يعرف شيئا اسمه الانترنت...
طيلة الرحلة..ومشاعره تتدفق..قلبه ينبض..خاصة عندما قالت المضيفة اننا وصلنا الى مطار الدار البيضاء..أحس ان لحظة اللقاء قد اقتربت..خاصة بعدما وطأ تراب موطنه..فشعر ان هذه التربة تعرفه..وهذه الوجوه تحبه..وهذه السماء تحييه..سائق التاكسي كأنه صديق له..سائق الحافلة ببسمته كأنه رفيق له..كل من في الحافلة كأنهم أسرته..اه يا وطني كم احبك..اه يا وطني كم اشتقت اليك...
اخيرا حطت به الحافلة في قريته..قريته الصغيرة الجميلة..التي مر الكل من قربها دون ان يعيروها اهتماما..مر الكهرباء بالقرب منها دون ان يعطوه منها ولو سلكا صغيرا..مر قنوات الماء قربها دون ان يجودوا عليها ولو بقطرة..مر الطرق بقربها دون ان يمددوا فيها ولو مسلكا..كم انتم قساة يا من تملكون القرار بوطني..
لم يشأ ان يمر قرب البلدة بدكاكينها الصغيرة التي يعرف جيدا أصحابها..ولا ان يشاهده احد قبل امه..فقط هي من تملك الحق بان تقول له اول الكلمات في قريته..هي من تملك الحق في ان تقدم له اول قبلة..هي اول من لديها الحق في مشاهدة فلذة كبدها..خاصة وانه ابنها الوحيد بجانب أخت متزوجة في قرية أخرى واب توفي منذ نعومة اظفاره...
ها هو امام الباب..باب منزله..وها هو الالم قد انتهى..وها هي لحظات الفرحة تتسارع لتضمه..أحس بالدمع يجري في مقلتيه..رجلاه تعرفان المكان جيدا..وها هما تقودانه غصبا عنه الى الباب..توقف لحظات قبل ان يطرق الباب..عدل من وقفته..مسح عرقه..تنهد من أعماق القلب..استعد جيدا للحظة اللقاء..ثم طرق الباب..
لم يرد احد...
طرقه للمرة الثانية...
لم يرد احد...
طرقه للمرة الثالثة..
لم يرد احد..
احس ببعض الشك يراوده..لكنه فكر انها قد تكون ذهبت الى البلدة لقضاء حوائجها..او الى إحدى صديقاتها..فهم بالذهاب للسؤال عنها بمنزل جارتها..قبل ان يسمع صوتا من خلفه..
"اعتقد انك "سعيد" ..."
استدار خلفه فوجد احد النساء ممن يشاركن امه نفس الزقاق..
"نعم..اهلا بخديجة.."
بعد لحظات من الترحيب والسؤال عن الحال والاحوال..حان موعد السؤال الاكبر عن امه..
"اين ذهبت هذه الام؟؟لا تقولي لي انها تثرثر مرة اخرى عند الحاجة "رقية"فانا اعرفها جيدا لا تسام من الحديث قرب اكواب الشاي.."
لكن الجارة لم تبادله نفس الضحكة..وبقيت تحدق فيه بعينان يملكهما الحزن والالم...قبل ان تجيبه..
"رحمة الله على امك..لقد توفيت قبل اسبوع بسبب مرض السرطان"...
اختلطت كل المشاعر في عقله..احس كان حجرا هوى عليها من اقصى السماء..عيناه بقيت متحجرة في مكانها..اراد ان يتكلم فلم يقدر الا بتمتة.."ماذا...؟؟؟"
لكن الجارة لم تجبه هذه المرة الا ب"عظم الله اجرك..وانا لله وانا اليه لراجعون"
انتهت